[size=21]الجدار بقلم/ شاهيناز فواز
[center]
[size=24]ما زلت أتذكر ذلك اليوم الذى قادتنى فيه قدماى لرؤية أخى الصغير بعد غيابه عشر سنوات كاملة فى الخارج . كلانا تغير ،عاد رجل مكتمل النضوج وبدت الهيبة واضحة فى ملامحه الذكية ومظهره الخارجى البراق ، أما انا فقد اتضحت معالم العجز على وجهى وتدهور حالى بصورة تعبر عن نفسها لمن يقع بصره عليها . لم يخبرنى بمسكنه الجديد فى رسالاته التى اقتصرت على السؤال عن احوالنا ومعرفة من مات ، من تزوج ومثل تلك الأمور التى يمر بها الجميع أدهشنى عندما ارسل لى رسالة يخبرنى فيها بميعاد عودته وتبينت من خلالها بأنه كلف أحد اصدقائه بشراء شقة خاصة به وأعطانى عنوانه الجديد وما ان جاء ذلك اليوم حتى ذهبت اليه يحملنى اليه حنين جارف . التفت حولى لأجدنى أمام عمارة شاهقة تحيطها أشجار تحجب عنها أشعة الشمس ، فى الداخل حارس العمارة يجلس بالزى الرسمى من خلاله أدركت بأهمية سكان العمارة ، فى تلك اللحظة أدركت ما أنا قادم اليه فأخى الآن فى أحسن الأحوال وعاد فى توقيت مناسب . حقاً كم أنا فى أمس الحاجه اليه . لم يبق لى سواه ولم يبق له سواى بعدما فقدنا اعز الناس الينا ،صعدت الى الدور السادس بالمصعد ثم طرقت الباب فوجدته أمامى بتلك الملامح الجذابه ، عندها توجهت اليه وأخذته فى عناق شديد واذا بالدموع تتدفق من عينى . ازال دموعى وأجلسنى على مقربة منه .صمت لحظات بعد أن وجدنى أختلس النظرات لمشاهدة أركان شقته الفارهة المليئة بالتحف والديكورات الفاخرة .كان أخى قليل الكلام لا أحد يعرف فيم وكيف يفكر وكأنه يصنع جدار يحجبه عن المحيطين به ،بالرغم من ذلك كنت حريصاً على أن أعرف عنه الكثير خلال تلك الفترة الماضية ،اتجهت ببصرى اليه قائلاً (أراك قد نجحت فى حياتك هناك وحققت هدفك من الغربة التى كنت دائماً أعارضك فيها ) ، لم يعلق على حديثى مكتفيا ًبابتسامة رقيقة ثم سألنى عن حالى وحال أسرتى وعينيه تدقق النظر فى هيئتى التى تعبر عن حالة البؤس الشديد . أرتسمت ابتسامة خفيفة على شفتى لأجيبه ( مثلما ترى حالى يعبر عن نفسه ) مال الى بصوت يدعو الى العتاب ( ألم أطلب منك أن تسافر معى لتوفر حياة كريمة لأولادك )ثم أعتدل فى جلسته واستطرد حديثه وقد اتجه ببصره بعيداً عنى ( أنت الذى أخترت وعلى كل منا أن يتحمل نتيجة أختياره ) لم يدهشنى حديثه فهذا هو أخى تغير من الخارج لكنه كما هو يحمل بداخله البرود العاطفى . تمنيت وأنا فى طريقى اليه أن تكون الغربة منحته حنان واشتياق يحمله الينا ، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن .فى تلك اللحظة أحسست فى جلستى معه بضياع لوقته فاكتفيت بالدقائق القليلة التى تحدثنا خلالها عن أحوالى ولم يخبرنى عنه بشىء كعادته ، هممت بالذهاب فاذا به يمد يده داخل جيبه معطياً لى مبلغ من المال متمنياً لى تحسين الحال . لم أستطع أن أمنع يدى من التقاط ذلك المبلغ الذى به يمكن شراء زوج من الأحذية لأحد من أبنائى وحتى ذلك لن أستطيع القيام به اذا أردت أن أعدل بينهم لذا قررت أن أسدد بذلك المبلغ البسيط جزء من الديون التى لا حصر لها والله وحده المستعان به ، حقاً كم كرهت ذلك اليوم وكلما تذكرته تذكرت معه همى وقلة حيلتى لم أستشعر معنى الخوة وما تحمل هذه الكلمة من مشاعر أفتقدها بشدة ، تركته لحياته الجديدة بعد أن نجح فى وضع جدتر بيننا ظل يبنيه طوال تلك السنوات . عدت الى أسرتى وبداخلى مشاعر متضاربة ، مشاعر الفرحة لرؤية أخى بعد كل تلك السنوات وخيبة الأمل التى تملكتنى بعدها .. [center]